التطور المعرفي الحقيقي

ما هي أهم مرحلة من تطوّر الطفل بحسب رأيك؟ هل هو التطوّر الجسدي؟ أو ربما تطوّر قدراته اللّغوية؟ أو مهلاً، هل يمكن أن يكون تطوّره المعرفي... يبدو أنها كلّها أجزاء مهمّة من تطوّر الطفل، والواقع أنها مترابطة 100% ببعضها البعض. ليس من جزء من تطوّر الطفل أشدّ أهمية من غيره، لأن الطفل ليس إنسان مجزّأ بل شخص كامل، لذلك فإن نموّ طفلك الكليّ يُعرف بالتطوّر الشامل.

أغمضي عينيك الآن ولنذهب في رحلة الى طيّات الذاكرة الدفينة. تخايلي طفولتك وتلك السنوات الأولى. ما الأمور التي تتذكّرين فعلها بوضوح؟ الخروج من المنزل؟ البحث عن الحشرات؟ القفز في البرك الموحلة، تسلّق الأشجار، الإستكشاف، الإستطلاع، تظاهر الشخصيات، الغناء، الرقص، الرسم...وفكّري ما هو العامل المشترك بين كل هذه النشاطات؟ هذه الأمور تهدف الى تطوير النمو الكلّي، أكان جسديّاً، عاطفياً، إجتماعياً، عقلياً ونفسياً.

سؤال: من أين يأتي التطوّر المعرفي؟
الجواب: من خلال النهج الشمولي.

في عالم طبيعي وحقيقي، يتعرّض الطفل الى فرص يومية للتطوّر الإجتماعي، الى المخاطرة وأنواع كثيرة من التحدّيات. وتشمل هذه الأمور عوامل مثل حلّ المشكلات، إتخاذ القرارات، الذاكرة، السيطرة على النفس، المرونة ومجموعة كاملة من المهارات التي تتطوّر في تفكيرهم، خالقة أسس التعلّم.
هذا هو إذاً التطوّر المعرفي. وعندما تدعمين تطوّر طفلك الكلي فيما يسير في طريق إستكشافاته وإستطلاعاته، تخلقين بيئة متفاعلة لتدعمي بذلك تطوّره المعرفي.

إذا، كيف تدعمين تطوّر طفلك المعرفي من منظور شامل؟

حدّدي إهتمامات طفلك: لقد سمعت هذا الكلام كثيراً وها نحن نعيده مجدّداً! إن فهم إهتمامات طفلك الشخصية يضعك وطفلك على خطّ واحد من التوافق. عندما تحدّدين إهتمامات طفلك، يمكنك أن تختاري إهتماماً صغيراً وتقومي بتنميته.

مثلاً لنقل أن طفلك يحبّ طائرة الهيليكوبتر. بما أنك أنت هذه الأم الإستثنائية، ستنتهزين الفرصة لتنمّي معرفة طفلك بتعليمه المزيد عن الهيليكوبتر بنفسك. كيف يتم صنعها؟ لم يتم إستخدامها؟ ما الفرق بينها وبين باقي الأشياء التي تطير؟ من يستخدم الهيليكوبتر؟

عندما تكونين متمكّنة من شيء ما، سيُظهر طفلك إهتماماً خاصاً به أيضاً. أنت تشجّعين عملية تعلّمه الطبيعية من خلال الإنخراط معه في محادثات أكثر تفصيلاً، تبنين على أفكار يعطيها طفلك، وتشجّعينه على التفكير بما يجول في باله، وتغذين مفرداته ومهاراته التواصلية وأكثر بكثير. من خلال هذه الطريقة، تتواصلين مع طفلك.

إطرحي أسئلة مفتوحة: يتعلّم الطفل بشكل كبير من خلال الكثير من الإستكشافات. وما أفضل من أن تكوني جزئاً من هذا الإستكشاف التّعليمي معه. سيسأل الكثير من الأسئلة وسيستطلع الكثير، فجرّبي ذلك وإكتشفي ماذا لديه ليقول... إطرحي عليه أسئلة مفتوحة، وهذا سيسمح له بالتفكير بنفسه مستكشفاً أفكاره الخاصة. إبتعدي عن الأسئلة التي تأتي بأجوبة بسيطة كنعم أو لا. شجّعيه على الكلام، على الإشارة الى الأشياء، على الدّلالة، والأهم على التفكير...

ساعدي طفلك على أن ينظّم ذاته بنفسه: ربما ستتفاجئين، لكن تنظيم الذات هو الرابط الأكثر تأثيراً على تحفيز معرفة طفلك، كما الى تطوّره الاجتماعي، العاطفي، اللّغوي والجسدي. تضع قدرة طفلك على تنظيم ذاته المهارات التأسيسية المطلوبة من أجل التخطيط وحلّ المشكلات، إدارة التفاعلات الاجتماعية، فهم وتحليل التصرفات، والحفاظ على فترة الانتباه، وكل هذه المهارات مطلوبة من أجل المضي قدماً في العالم الأكاديمي والاجتماعي. إذاً كوني له نموذجاً عن التنظيم الذاتي: شاركي في الاحاديث، سهّلي الخلافات مع نفسك أو مع الآخرين، حافظي على الروتين وشجّعي قدرات طفلك على تنظيم ذاته. لكن الأهم، فليكن لديك توقعات منطقيّة! إدعميه حين يكون الدعم ضرورياً لكن إسمحي له أن يشارك بنشاط في حلّ المشاكل.

 

أيتها الامّ، حين نتكلم عن تطوّر طفلك المعرفي فنحن نعني مفهوماً شاملاً له. كل المجالات التنموية تعمل معاً ليتقدّم نحو الأمام في كل خطوة. إذاً إبقي على نقطة مهمة في بالك: التطوّر المعرفي ليس أن يظهر لك طفلك أنه يعرف الأرقام، الأشكال، الأحرف أو يعرف حقائق علميّة بمفرده. كما رأينا، الامر أكثر تعقيداً من ذلك. هو يتضمن تطوّر الطفل العقلي، اللّغوي، الجسدي والعاطفي-الاجتماعي وكل هذه الأمور مترابطة. كل تقدم (أو تأخر) في مجال واحد يعزّز أو يردع التطوّر في المجالات الأخرى.

إذا ركزّي على تنمية طفلك بالكامل. من المؤكد أنه ليس من طريقة فضلى لتحقيق هذا الهدف، لكن أفضل ما يمكنك فعله هو تشجيع أساليب التّعليم المتعدّدة من خلال إعطائه حسّ التساؤل، وبذلك يصبح التعلّم متطوراً أكثر من أي وقت مضى بطريقة طبيعية.