الغموض في عقل اللإنسان
يشكّل عقل جوهر كل وظائف الإنسان. يحتم علينا الضغط العائلي اليومي ألا نفكّر فعلاً كيف أن كل ما نفعله سيؤثّر على تطوّر أطفالنا الذهنّي.
كُلّنا نتّفق على أن موقِعنا كأهل هو أكبر تحدّي على الاطلاق. نَعَم إنه أكبر تحدّي، لكن من قال أنه ليس الأروع، والتجربة الأكثر مكافأة؟
هذا الموضوع سيكون لك مقدّمة عن بعض المعلومات المتعلّقة بعلم عقل. سنكمل رحلتنا معاً لنكشف خفايا هذا العضو الأكثر تعقيداً في جسم الإنسان ونغوص في كيفيّة تطوّر ذهن الطفل الاستثنائي.
ممَّ يتشكّل عقل؟
أوّلاً، هل فكرت يوما لماذا تفعلين الأشياء ببراعة، كقراءة هذا النص، رفع يدِك، الكتابة، الضحك، الكلام، وَمْض العينين وغيرها الكثير من الأفعال، وبدون أي جهد؟ هذا هو عقل الذي يُرسل ويتلقى الرسائل من الجسد؟ كيف يفعل عقل ذلك؟ لدى عقل رسائل أو خلايا دماغية تدعى خلايا عصبية، تعمل معاً لنقل مئات الألاف من الرسائل الى الجسد وبالعكس كل يوم. تُبعثُ الرسائل بإستخدام إشارات كهربائية تقذف معاً رأس كل خليّة عصبيّة الى ذيل خلية عصبية أخرى عبر مساحة صغيرة تلقّب بالتشابك العصبي. عزيزتي الأم، ثابري معي لأن كل هذا يتعلّق بكيفية تطوّر دماغ طفلك!
كيف يُرسل عقل الرّسائل الى الجسم؟
يرسل عقل الرسائل الى الجسم بإستخدام طريقين مختلفين:
- الحبل الشوكي: هذا الحبل ينسّق الكثير من ردّات فعلنا. هو أيضاً الطريق الذي يستخدمه عقل للشروع في الحركة، وهو الممر الذي يرسل معلومات حسيّة من أعضائنا الحيّة الى عقل.
- جذع عقل: هو الذي يسيطر على الوظائف الأساسية، مثل التنفس، نبض القلب، الوعي وضغط القلب.
كيف نفهم تطوّر نمو دماغ الطفل
فيما يبدأ عقل بالنمو منذ قبل ولادة الطفل، معظم هذا النمو يحصل في أول ثلاث سنوات من حياة الطفل. هذا ما يُعرف بالفترة الحساسة لأن الطفل يمتصّ ويتعلّم كمية هائلة من القدرات التي سيتمّ إستيعابها ومعالجتها خلال حياته. لا شكّ أنّكِ سَمِعتي بعبارة "الطفل كالإسفنجة"، فقد شُبّه بها لانّ تكوّن الخلايا العصبيّة والتشابك العصبي أسرع عند الولادة، وهذا هو السبب في أن الأطفال يمتصّون المعلومات كالاسفنجة. في الواقع، يكون حجم دماغ الطفل عند الولادة 25% من الحجم الحقيقي لدماغ إنسان راشد، وعندما يصل طفلك الى عمر الثلاث سنوات، تكون قد تكوّنت 80% من خلايا عقل الجديدة (الخلايا العصبية).
ما الذي يجعل من كل طفل فريداً من نوعه؟
أدمغة أطفالنا تبدو هيكلياً متشابهة جداًّ لأن جميعها مصنوعة من الخلايا العصبية التي تشكّل المساحات المختلفة أو "الفصوص الدماغية". إذاً ما الذي يجعل كلاً منّا ومن أطفالنا فريدين تماماً كبشر؟ إنها التجارب والخبرات!
عندما يتلقى عقل أي إشارة، هذه الإشارات بطبيعة الحال تبني وتقوّي التشابك العصبي، الذي بدوره يختزن كذاكرة في دوائر عقل الخاصة بها. كل خبرة جديدة تَخلق شبكة عصبية جديدة. تخيّلي معي كم من آلاف الخبرات الجديدة يتلقاها المولود الجديد في فترة زمنية قصيرة جداً. في عمر الثلاث سنوات، يتضاعف عدد الشبكات العصبية لدى طفلك، ما يعني عدداً هائلاً من الخبرات المخزّنة.
عندما يعيش طفلنا خبرات متشابهة، يُعاد تنشيط الشبكة العصبية الموجودة مسبقاً، وهذا يقوّي الروابط بينها- وهكذا من خلال التكرار يتعلّم الطفل. أي معلومة مخزّنة لم يتمّ تفعيلها من خلال التكرار تختفي لتحلّ مكانها معلومات جديدة.
هذا ما يكشف بوضوح الكائن الفريد الذي سيتحوّل اليه طفلك ،مع شخصيّته المميزة الخاصة به وحده. إنها الفترة التي يتشكّل فيها طفلك بشكل هائل من خلال تجاربه وبيئته، ويُطوِّر باكراً في حياته مهاراته وقدراته الجوهرية.
كيف يمكنك أن تصنعي فرقاً في تطوّر طفلك الذهني؟
عزيزتي الأم، إن البيئة والتجارب الفردية التي تُؤمّنيها لطفلك هي التي ستميّزه خلال هذه السنوات الدقيقة من حياته. ما يحتاجه طفلك في السنوات الأولى هو:
- الكثير من الدفئ وعلاقات إجتماعية إيجابية. ومن أفضل منك أنتِ لجذب طفلك والتحدث إليه.
- عرّضيه الى تجارب جديدة، أشركيه في النشاط الحسّي والجسدي. كل ذلك لتشجّعي عقله الفضوليّ والمتأهّب لكلّ جديد.
وتذكّري، كلّما تعرّض طفلك لنفس التجارب بشكل متكرّر، كلّما أصبحت هذه الشبكات العصبية أقوى.
إعرفي أكثر:
تركيبة عقل وكيف تتطابق مع قدرات طفلك نَعلَمُ أن البشر يتميّزون بقدرات هائلة ومختلفة من مهارات، مشاعر وأحاسيس. كلّها بفضل عقل! عقل هو مساحة تخزين معقدّة للغاية مقسمة إلى 5 "أقسام" رئيسية، لكل منها وظيفتها الفريدة:
الفص الأمامي: مسؤول عن قدرة الطفل على حلّ المشاكل، التفكير بعقلانية، التنظيم، التعبير اللّغوي (التواصل)، تنظيم العواطف، سرد القصص، بدء وإنجاز المهام، تذكر الحقائق والتفكير بشكل متجرّد. يمكننا أن نعتبره لوحة التّحكم بشخصية وتواصل الإنسان.
الفص الصدغي: الوظيفة الأساسية للفص الصدغي هي معالجة الأشياء التي نسمعها للمساعدة في التعرف على اللغات، تخزين الذاكرة (على المدى القصير والطويل)، الكلام، السلوك، العواطف، الخوف، "القتال أو الهروب" والاحتفاظ بالوقائع.
الفص الجداري: يساعد على تحليل الحواس كالذوق، اللمس، درجة الحرارة، الألم، وكذلك الحاسة المكانية والتنقل.
الفص القذالي: هو مركز المعالجة البصرية، مثل النظام المرئي، المعلومات المرئية ومعالجة الكلمات عند القراءة.
المخيخ: هو يتحكم في الحركات مثل التوازن، التنسيق، الانتباه والكلام. أخيراً هو يوازن النشاط العضلي للحركة لتعمل بسلاسة.
Related articles