لهذهِ الأسباب وُجِدَ الأصدقاء
"ليس الذّكاء، لا العلامات الدّراسية، ولا سلوك الولد في الصفّ أفضل ما يُنبؤُ بتكيّفه في المجتمع عند بلوغه سنّ الرشد، بل هي قدرته على الإنسجام مع الأطفال الآخرين..." هارتاب، و. (1992).
قرأنا في المواضيع السابقة عن أهمية التفاعل والتطوّر الاجتماعيَّيْن بصفتهما جزئاً مهماً من عمليّة ضبط مشاعر الطفل وتطوّره اللّغوي. لكن ليس ذلك كل شيء! التّطور الاجتماعي هو واحد من أهمّ جوانب تطوير الطفل. كيف؟ هو يساعد في دعم ثقة الطفل بنفسه، إحترامه لنفسه، مهاراته في حلّ المشاكل، التواصل، حلّ النزاعات وكثير من الامور الأخرى التي تساعد على بناء الطفل الإجتماعي في عالمٍ إجتماعي مختلف.
ولا شكّ أن التّطور الاجتماعي هو جوهر مهارات التّطور المختلفة التي يمكن أن تدعم إنتقاله وتكيّفه مع تغيّرات متطلّبات المجتمع اللا متناهية.
إذا فيما يحاول طفلك إكتشاف العالم الاجتماعي خارج إطار بيته، عليك كأمّ أن تراقبي من هم أصدقائه المفضّلون، السّمات المشتركة بينه وبينهم، وكيف يلعبون- ولا تنسي أن اللّعب هو بالتأكيد جزء كبير من تواصله مع أصدقائه.
لكن انتبهي جيداً: إذا كنت تظنّين أنك تعرفين طفلك، إنتظري وراقبيه في حالة إجتماعية معيّنة. وسيكون من المذهل أن تشاهدي ما الذي تعلّمه بفضل تفاعله معك ومع والده، ليصبح بذلك هذا الشخص المستقلّ.
وفي بعض الاحيان، مشاهدتك لتفاعلاته تجعلك تتوقّفين بسرعة لتفكّري: "ليس من السهل عليك رؤيته وهو يضرب ولداً آخر على الرأس- وتتسائلين لم حصل ذلك على أي حال؟؟ لن تفعلي ذلك أبداً لو كنت مكانه، صحيح؟
ان طفلك سيفاجئك دائماً وهذا أمر مؤكّد. لكنه على أتمّ الإستعداد لإستعمال كل المهارات الاجتماعية المطلوبة ليتأقلم مع هذه الحالات الاجتماعية "الخطيرة". دورنا كأهل، وما يجب أن نتوقّعه من المعلّمين ومقدّمي الرعاية أيضاً، أن يعتبروا هذه التفاعلات الاجتماعية فرصاً تعليميّة لتطوير مهارات أطفالنا الإجتماعية نحو المواطنية، التّفاعلات الاجتماعية الايجابية، حلّ النّزاعات، تعديل المشاعر، التفاوض، والتّواصل...
التّدريب الاجتماعي...كيف يتعلّم الأطفال قواعد اللّعبة الإجتماعية
لا يفوتك أننا كأهل ندعو أنفسنا مدرّبو أطفالنا الاجتماعيين والعاطفيين لمدى الحياة. ولا شكّ أن للعبارة التّالية سبب وجيه "كوننا أهل هو وظيفة بدوام كامل..هي مهنة وشغف."
منذ الولادة، يتعلّم الأطفال كيف يتكيّفون مع العالم الجديد، والمحيط المختلف بشكل كامل بعد قضاء تسعة أشهر في الظلام. جزء كبير من هذا العالم الجديد إجتماعي. لا تنسي أن طفلك مستعد لبناء العلاقات وهذه هي بداية المغامرات الجميلة.
تتطوّر علاقة التّعلق بينك وبين طفلك في مراحل الطفولة المبكرة: ما تقلّدين في عاطفتك، مشاعرك، لمساتك، إبتساماتك، نبرة صوتك وغيرها...هو ما سيحلّله على أنه قسم من السّلوكيات الاجتماعية المقبولة. أكثر أمر طبيعي يقوم به الطفل هو التيقّظ والتجاوب مع صوت البشر. وأنت كأم تشجّعينه بتقلديك للأصوات التي تصدر عنه، والتي يحاول أن يجعل لها معناً من خلال الأصوات الغريبة التي يصدرها. ما تعطينه في البداية هو نموذج عن صداقاته اللاحقة فأنت المثال الأول الذي يعطيه البصيرة في هذا العالم الإجتماعي من حوله.
عزّزي الفرص الإجتماعية.. ساعديه على تطوير الوعي من خلال نماذج "الأخذ والعطاء"
لا شكّ أنك ستراقبين الكثير من سلوكيّات طفلك الاجتماعية المبطّنة في حالات اجتماعية خارج المنزل والعائلة. يحتاج طفلك الى إعطائه الفرص ليتدرّب على مهاراته الاجتماعية. يحتاج الى تجارب مشتركة، إن كان من خلال لقاءات للّعب مع الاطفال أو أي لقاء إجتماعي آخر. لا تحتاج التجارب المشتركة بالضرورة الى الارتباط في تفاعل فعلي- مثال على ذلك، يمكن أن يكون طفلك جالساً بالقرب من طفل آخر ويلعب بالقرب منه، وليس بالضرورة أن يلعب معه، لكن ستلاحظين أن طفلك يقلّده، يحاول الوصول اليه، أو ببساطة يتعلّم سلوكيّات لعب مختلفة من الطفل الآخر.
تذكّري عزيزتي الأم، بما أن الطفل الصغير لا يزال في مراحل تطوّر محصورة بالذات، فالوعي لمشاعر الآخرين لم يتطوّر بعد. إذاً كوني جاهزة لـ" الجيّد، العاطل، والقبيح" وتدخّلي وفقاً لذلك من خلال مهمّتك في تطوير الوعي. والوعي للآخر هو تطوّري أيضاً. إذا مع الوقت، ومن خلال تدخّلاتك البنّاءة، سيطوّر طفلك مهارة فهم الأسباب وتأثيراتها.. فيما يبدأ الوعي الإدراكي عن الذات "أنا، لي أنا" وغيرها بين عمر السنة والنصف والسنة والثمانية أشهر.
جسّدي السلوكيّات الاجتماعية الايجابيّة.. من خلال اللّغة!
هل تعلمين أنّ اللّغة هي الأداة الأكثر طبيعية التي يمكنك إستخدامها لمساعدة طفلك على التّنقل في المشهد الاجتماعي، وليتمكّن من المشاركة، التمييز والتعبير عن حاجاته، التعاطف، وإحترام الآخرين...؟ تذكّري أن جزءاً كبيراً من هذه الأمور يتعلّق بدعمك لعمليّة ضبط مشاعر طفلك وسيطرته على نفسه. عندما تستخدمين اللّغة، نبّهيه دائماً الى مشاعر الآخرين، فيما في الوقت نفسه، تفهّمي مشاعره وحاجته الى فهم كل ما يجري- لكن من وجهة نظر تطويريّة.
نحن جميعاً على دراية تامّة بحاجة الأطفال الفوريّة الى إرضائهم من دون أي إعتبار لما قد تكون مشاعر الأولاد الآخرين. قولي له مثلاً "أرى أنك تريد هذه اللّعبة لكن سامي يستخدمها الآن، يمكنك إستخدامها حين ينتهي منها. أنت تتحلّى فعلاً بالصبر بإنتظارك لهذه اللعبة!" فيما تقومين بإرشاده، كوني حسّاسة أيضاً مع حاجته الى التأقلم مع مفهوم تعلّم كيفية الاختلاط واللّعب مع الأطفال الآخرين. ولا تظنّي بأنه أمر سهل!
هويّة طفلك الخاصة به
كلّما إختلط طفلك في المجتمع كلّما كان حسّه بهويته أشدّ قوّةً. فمن خلال تطوّر الوعي الذاتي، يجرّب ويستكشف ما يحب وما لا يحبّ في الصّداقات، ويطوّر هويّات الصّداقة الخاصة به بطبيعة الحال. إذا عزيزتي الأم، كوني صبورة ولا تجبري طفلك أبداً على اللّعب مع الآخرين. الحياة صعبة كما هي.. أعطه فقط الوقت والمساحة التي يحتاجها.
Related articles